سورة البقرة - تفسير تفسير ابن القيم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)} فوصفهم بست صفات:
إحداها: الفقر.
الثانية: حبسهم أنفسهم في سبيله تعالى وجهاد أعدائه، ونصر دينه، وأصل الحصر: المنع، فمنعوا أنفسهم من تصرفها في أشغال الدنيا، وقصروها على بذلها للّه وفي سبيله.
الثالثة: عجزهم عن الأسفار للتكسب، والضرب في الأرض: هو السفر.
قال تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [73: 20] وقال تعالى: {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [4: 101].
الرابعة: شدة تعففهم. وهو حسن صبرهم، وإظهارهم الغنى.
يحسبهم الجاهل أغنياء من تعففهم، وعدم تعرضهم وكتمانهم حاجتهم.
الخامسة: أنهم يعرفون بسيماهم. وهي العلامة الدالة على حالتهم التي وصفهم اللّه بها. وهذا لا ينافي حسبان الجاهل أنهم أغنياء، لأن الجاهل له ظاهر الأمر، والعارف: هو المتوسم المتفرس الذي يعرف الناس بسيماهم. فالمتوسمون خواص المؤمنين، كما قال تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [15: 75].
السادسة: تركهم مسألة الناس، فلا يسألونهم إلحافا والإلحاف: هو الإلحاح والنفي متسلط عليهما معا، أي لا يسألون ولا يلحفون. فليس يقع منهم سؤال يكون بسببه إلحاف. وهذا كقوله على لا حب لا يهتدي لمناره أي ليس فيه منار فيهتدي به. وفيه كالتنبيه على أن المذموم من السؤال: هو سؤال الإلحاف. فأما السؤال بقدر الضرورة من غير إلحاف فالأفضل تركه ولا يحرم.
فهذه ست صفات للمستحقين للصدقة فألغاها أكثر الناس ولحظوا منها ظاهر الفقر، وزيه من غير حقيقته. وأما سائر الصفات المذكورة فعزيز أهلها، ومن يعرفهم أعز. واللّه يختص بتوفيقه من يشاء فهؤلاء هم المحسنون في أموالهم.
القسم الثاني: الظالمون، وهم ضد هؤلاء، وهم الذين يذبحون المحتاج المضطر. فإذا دعته الحاجة إليهم لم ينفّسوا كربته إلا بزيادة على ما يبذلونه له. وهم أهل الربا. فذكرهم تعالى بعد هذا فقال:


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)}
فصدر الآية بالأمر بتقواه المضادة للربا، وأمر بترك ما بقي من الربا بعد نزول الآية، وعفا لهم عما قبضوه به قبل التحريم، ولولا ذلك لردوا ما قبضوه به قبل التحريم، وعلق هذا الامتثال على وجود الإيمان منهم. والمعلق على شرط منتف عند انتفائه. ثم أكد عليهم التحريم بأغلظ شيء وأشده. وهي محاربة المرابي للّه ورسوله،


{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279)}
ففي ضمن هذا الوعيد: أن المرابي محارب للّه ورسوله، قد آذنه اللّه بحربه. ولم يجيء هذا الوعيد في كبيرة سوى الربا، وقطع الطريق، والسعي في الأرض بالفساد، لأن كل واحد منهما مفسد في الأرض قاطع الطريق على الناس: هذا بقهره لهم وتسلطه عليهم. وهذا بامتناعه من تفريح كرباتهم إلا بتحميلهم كربات أشد منها. فأخبر عن قطاع الطريق بأنهم يحاربون اللّه ورسوله. وأذن هؤلاء إن لم يتركوا الربا بحربه وحرب رسوله.
ثم قال: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ} يعني إن تركتم الربا وتبتم إلى اللّه منه، وقد عاقدتم عليه، فإنما لكم رؤوس أموالكم لا تزدادون عليها فتظلمون الآخذ. ولا تنقصون منها فيظلمكم من أخذها. فإن كان هذا القابض معسرا فالواجب إنظاره إلى ميسرة. وإن تصدقتم عليه وأبرأتموه فهو أفضل لكم وخير لكم. فإن أبت نفوسكم وشحّت بالعدل الواجب أو الفضل المندوب فذكروها يوما ترجعون فيه إلى اللّه وتلقون ربكم، فيوفيكم جزاء أعمالكم أحوج ما أنتم إليه.
فذكر سبحانه المحسن وهو المتصدق ثم عقبه بالظالم وهو المرابي.
ثم ذكر العادل في آية التداين:

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11